شعرية الاشراق في قصيدة "سور الخلاص



الشّاعرة زهور العربي

  

 في حداثة الشعر العربي الثّانية

.

 بقلم الناقد الأديب خالد 


الصلعيالسّابقين


 

شعرية الاشراق في قصيدة "سور الخلاص " -3_
********************************
الشاعرة زهور العربي في حداثة الشعر العربي الثانية .
.
وأما اليقين فلا يقين لي *****أقصى جهدي أن أظن وأحدسا .....المعري
.
_3_الرمز كمكون جمالي
****************
1/2-الشعر كاحتفال طقوسي 
*******************
للرمز وظائف فنية متعددة ، كما أن حقل الرمز يعتبر من الحقول الخصبة ،بتنوعه وغناه ، فهناك ؛الرمز الأسطوري ، والرمز الفني،والرمز الطبيعي ،والرمز التاريخي.........الخ ،من الرموز العامة ؛ كما هو الحال مع رمز الموت أو الجدار ، في القصيدة الحداثية الأولى .
واذا كان الرمز سمة فنية استوحاها الشاعر العربي كأداة اجرائية ذات بعد فني خالص ، له مناهجه وتقعيده النظري ؛ من خلال تلاقحه الحضاري والثقافي والفني ،بالأدب الغربي والانساني عامة .فان الرمز في مفهومه العام ؛هو خصيصة شعرية ملتصقة بالشعر كجنس فني وأدبي راقي ؛ باعتباره لغة تكثيفية وانفجارية في آن . ولعل هذا ما جعل "بلنسكي "يقول:" الفن تفكير في صور" . والرمز يفتح الصورة الشعرية على اكثر من مستوى ، سواء تعلق الأمر بالمستوى الزمني أو المستوى المكاني ،أو المستوى الدرامي أو المستوى الجمالي ...الخ . وبذلك غدا الرمز ليس" أحد عناصر البنية الفنية فحسب ،بل....._أيضا كونه الطاقة_الايحائية التي تعتبر سمة التعبير الجمالي بعامة " ،حسب الدكتور "سعد الدين كليب".
ومن اللافت في قصيدة"سور الخلاص" ،للشاعرة التونسية "زهور العربي"، أنها تحفل بأكثر من رمز ، وبالتحديد "سبعة رموز " ؛ولعل في هذا الر قم -7- احالة ميثولوجية انسانية وكونية ، باعتباره رمز الاكتمال ، وحد الحدود ، فهو حد أيام الأسبوع ، وحد عدد السماوات والأرض ، وهو ما يضفي على القصيدة بعدها الأسطوري على أكثر من مستوى ، ويرفلها في سندس جمالي قل نظيره في الشعر العربي المعاصر . 
وأنا متأكد من كون الشاعرة لم ترم مارامته قصيدتها ، وهي تتلو نفسها عليها ، أو وهي تنكتب بحبر روحها ، وتنهمر خصبا وريا ، -وهذا ما يستحق دراسة منفصلة- . لتشكل هذه النسقية التكوينية المدهشة للقصيدة . وهنا مكمن اشراقيتها ، اذ ينبثق الفيض ذاتيا ، والفيض يأتي أبدا ، لاعن سابق انذار أو اشارة . 
ان أشد ما يلفت في هذه القصيدة ، هو أنها تحتفل بكتابتها الذاتية كاشراق وكفيض ، وتؤسس أبعادها الفنية والجمالية ، في كون الشّاعرة ، والشّاعرة هنا النبع الذي تتفجر منه وفيه أنوار الشعر ، وهي -الشاعرة- هنا ، الانعكاس الموضوعي النادر لقصيدة نموذجية ، بكل المقاييس ، فهي ليست مصدر الشعر -الشاعرة- الا باعتبارها ذات شاعرة آمنت بالشعر ، فآمن بها ، وهنا تتجلى عبقرية "هايدجر" في رؤيته ومنظوره للعشق ، باعتباره العلاقة المثلى التي تهب الانسان جوهر ما يعشقه ، من هذه الزاوية يمكن اعتبار هذه القصيدة تجلي راق لقصيدة الحداثة الشعرية العربية الثانية في جانب من جوانبها . وهنا أجدني أمام جواب وجودي شاف على خطورة الشعر ، وعلى الاعتراضات التي واجهته منذ "أفلاطون" الى يومنا هذا ، ومن قبل الدين أيضا.
الرقم "سبعة "هنا رمز الاكتمال والتجدد ، ، لأن نهاية الأسبوع ،يعني بداية أيام أسبوع آخر ، في حركية لا تتوقف ، وفي صيرورة أبدية التكوين . انها الاحالة على "أخلوا المكان..." ،لقد انتهت وظيفتكم ، لتبدأ وظيفة كائن آخر أشرق للتو هو ،ذات الشّاعرة ، التي تحتفل بنورها وبنضج كلماتها ، وبرسم جديد" يرسمني بيد عاشق ...." ، لتبدأ سفرا جديدا " في مراكب الموج..." انه بعبارة الشاعرة ، موسم جديد :
.
موسم الزرع حان ،
افتحوا أكياس وجداني ،
مدخرات الحب عندي وفيرة ،
وأرض غيومي خصبة ، سمادها ،
من حطام أحلامي .
ان استهلال هذه "السورة " بجملة اسمية ، بما تعنيه من ثبات وتركيز ، له دلالته الوظيفية والسياقية ، لأن هيمنة التركيب التعبيري-الصياغة- يحيل الى ثقله الوظيفي والى رسالته الجمالية ، لذا نجد الشاعرة تعمل على تثبيت "موسم الزرع " كمشهد احتفالي خالص ، هو وحده ما يجب الانتباه اليه ، عكس ما اذا كانت قد بدأتها بجملة فعلية ، وهي جملة الشطر الثاني " افتحوا أكياس وجداني/ موسم الزرع حان " ، فالمعنى ظل هو هو ، لكن الدلالة الايحائية ، والرسالة المتوخاة ابلاغها ستظل قاصرة على الأداء الذي تمارسه الجملة الاسمية في هذا السياق . لأن بنية المشهد كانت ستنحرف عن بنية المشهد الأصلي في هذه "السورة" ، ويصبح مشهد "موسم الزرع " مشهدا ثانويا ، ويفقد ، بالتالي ، بعد الهيمنة وسلطتها على المقطع ، أو السورة . ثم ان الاستهلال ب"موسم الزرع" تهييئ نفسي ، وليس خطابا مباشرا ، أو اخباريا ، عكس وظيفة الجملة الفعلية .
ولعلنا ونحن في خضم فك وخلخلة بنية القصيدة ، وخاصة هذه السورة ، لن نغفل الدلالات العشقية والشبقية الطاهرة التي تحفل بها القصيدة ككل ، وخاصة في هذا المقطع ، فالاكتمال ، هو اساسا اكتمال الأنوثة ، وهو خطاب مغيب في جميع خطاباتنا الشعرية الأنثوية بفعل اكراهات اجتماعية ودينية ، منذ الشاعرة المصرية "جويس منصور " ، واحتفال الأنوثة هو في نفس الان لا يخرج عن احتفالية موسم الزرع والبذر ، خاصة ونحن نستحضر ذلك" الأصفر "الذي غار منها وحاول افتكاكها من فراشها . هكذا تتسع القصدة على أكثر من احالة ودلالة شأنها شأن القصائد /العلامة ، التي تؤكد مفصلية الصيررورة الشعرية ، كقصيدة "الأرض اليباب" لأليوت ، وقصيدة "البطرس أو البطريق " لبودلير ، أو قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة .
ان مفهوم الاكتمال سيميائيا يحيلنا في هذه القصيدة الى فيض من الاكتمالات ؛ اكتمال الأنوثة ، اكتمال الوعي الشعري ، اكتمال الصورة الفنية ، اكتمال دورة الرؤية الشعرية ، وللناقد أن يبحر في هذه الأبعاد الاكتمالية الخصبة .
لامناص أمام هذه المتواليات من الاكتمالات بأن تعلن آلهة الخصب الجديدة عن ولادتها ، وعن انبثاقها واشراقها الذي يؤسس لانطلاقة شعر عربي جديد ، هو شعر الحداثة العربية الثانية .
هكذا سندخل مع الشاعرة مكونا من اخصب مكونات الشعر الحداثي وأخطرها ، وهو مكون الرمز .والتعبير الرمزي يعتبر موقفا جماليا من العالم بقدر ما هو أسلوب فني . فالصورة الفنية التي تتأسس على الرمز باعتبارها بنية لغوية في الأساس، تنفتح على أبعاد لا حدود لها كما سبق . فهل استطاعت الشاعرة توظيف الرمز دون أن تسقط في ابتذال ،كثيرا ما أفسد نماذج شعرية لشعراء كبار ؟ .
2/2التوظيف الفني للرمز عند زهور العربي
****************************

بقلم النّاقد الاديب والباحث خالد الصلعي 



الــــــــــــــــقصــــــــيدة 

ســـور  الخـــلاص 

اخلوا المكان، 
وافتحوا بوّابات الشّجن، 
كلماتي أينعت وحان وقت 
القطاف. 
ترفّقوا بعناقيد الحنين، 
واجنوها على 
مهلْ. 

النّور من حولي يغزو المكان، 
وينابيع الحبر تتدفّقُ غزيرة، 
مختلفة الألوان، 
الأحمر القاني،
يَرسُمني بيد عاشقٍ زهرة ريحان،
شذاها عصارة من أرقي
المعاني،
والأصفر الذي يغارُ حين يراني،
يفتكّ الفراشَ منّي،
ويَكيدُ لي ليظفرَ
بمكاني.

والأزرق الأرجواني،
في مراكب الأمواج يَقذِفني،
يَرفعني،
يُسافر بي،
لأحرثَ غيمةً تَشتاقُ أن
تلقاني.

موسم الزّرع حان،
افتحوا أكياسَ وجداني،
مدّخراتُ الحبِّ عند ي وفيرة،
وأرضُ غُيومي خِصبة سمادُها،
من حُطامِ أحلامي،

و(أفْروديت) تنحّتْ عن العرش،
وجثت على ركبتيها،
أمامي،
ورتّلت سورةَ الخِصب حين …
تراءى لها الجُوري يُراقصُ نَسائمَ الصّبحِ،
في أحضاني،
وبلابلُ القلب أسْكرتها شهقةٌ،
ردّتْ لها الرّوحَ إذ
أطلقتها.


و(فينوسَ) كفرت بالبحرِموطِنها،
وتمرّدت على مَهْدِ المحارِ،
حين رأتْني نخلة تتوضأ بماء الرّافدين،
الزّلال،
(وأخبرت (باريسَ) أنّي أجمل من (هيلين)
وأنّ جُيوشي ستعيدُ لِطرْوادةَ
زمنَ الأمان،

من قال إنّها علمّتْني الشّعر؟
هي من سرقت كلَّ القصائد منّي،
(أنا … لا أنت… إلهة الشّعر يا( إيراتو)
أنا للحرف نارٌ، وأنا له الهواءُ،
وأنا له بردٌ وأنا له سلام ُ،
والحِبرُ مثل الماءِ حين ينْسكبُ،
لكنّه يزيدُ اضطرامي.


حبيب القلب ترفّق،
ولا تلمني،
(إذا أغرتْني شمسُ (أبولو)
وأسلاكُها داعبتني،
فالعين يأسرها النّجمُ إذا تلألأ،
والقلبُ يستحيلُ نبعًا ….إذا الغيث
على أرضه العطشى
تدفّقْ.

حبيبي تعالَ نَحصدْ ما زرعْنا،
ونُعدْ البذرَ
ما دامت سُهول العمر
خصبة،
تعال نستحم في أكفِّ ليْلكةٍ
جذْلى،
ونَبني بين الأيكِ أعشاشَ
اليَمامْ.

حبيبي إن سَكنتُ العشّ يومًا … لا تلمني،
أو تظلّلتُ بأهدابِ الغرام،
أو سكنتُ الشّمسَ وأعلنتُ أنِّي
تربّعتُ على عرش الإلهِ (رَعْ)،)
أنا مثل الفينيق وهبتُ عُشّي،
ولبَعْلبك يمّمتُ وجهي،
لأبعثَ من رحمِ الرّمادِ
نَسْلِي.

زهـــــــــــــــــــــــور العـــــــــــــربي